[size=16]-وحيد.. لقد تعاهدنا على الصراحة في كل شيء، فقل لي ما الخبر.
[size=16]فقصّ عليها قصة الفتاة الجميلة، ذات الثوب الأصفر، التي تشبهها وكأنها نسخة أخرى منها، وتعمل في الحقل مع أهلها فضحكت نارة، وقالت له:
[size=16]-كنت أعلم أنك ستصل إليها هذه نور أختي على الأرض. وستذهب إليها ذات يوم. دعني الآن أعود إلى نومي.
[size=16]واختفت في الجدار.
[size=16]***
[size=16]وصار وحيد يراقب نوراً، كل يوم، وأحس أنها أقرب إليه من كل الناس. ولم تعد تفارق خياله أبداً. ورأى، مرّة، ثعباناً كبيراً يقترب منها، وهي تعمل في الحقل، فصرخ يحذّرها، ولكنها كانت بعيدة لا تسمعه ولدغها في قدمها، فصرخت من الألم، ووقعت على الأرض، وحملها أهلها إلى البيت.
[size=16]أسرع وحيد، فركب حصانه، وطلب إلى العصفور أن يدّله على بيت نور، وتبعه بأقصى سرعة ممكنة. ولمّا وصل دخل إلى غرفتها مباشرة، وأخرج الوردة من صدره، وجعل نوراً تشمّها فشفيت في الحال. وكان أهلها يراقبون ذلك في ذهول وإعجاب.
[size=16]ورفض وحيد العودة إلى قصر أبيه إلاّ إذا اصطحب نوراً ووالديها لتصبح زوجة له. ولم يجد والد نور ووالدتها بداً من مرافقته مع ابنتهم، وكانا قد حذراه من عدم موافقة والديه على زواجه من ابنة فلاحين بسيطين وأخبر وحيد والديه، بعد عودته، أنه اختار الزوجة الوحيدة التي لا يريد سواها في العالم، وأنه سيموت إن لم يتزوجها ووجد الملك والملكة في نور صفات رائعة وأحبّاها وباركا هذا الزواج، واستقبلا والديها بالترحاب والرعاية. وطلب وحيد من والدي نور العودة إلى قريتهما، وإبقاء نور في القصر، لتتعود على الحياة الجديدة حتى يحين موعد الزواج وعادا مكرّمين بعد أن تركاها في رعاية والديها الجديدين.
[size=16]وذات يوم قالت نور لوحيد، وهما يتنزهان في حدائق القصر:
[size=16]-لا يمكنني أن أقبلك زوجاً لي إلا بشرط واحد:
[size=16]قال وحيد ضاحكاً:
[size=16]-كل شروطك مقبولة، فأنت تعرفين مقدار حبي لك.
[size=16]قالت نور:
[size=16]-ليس لي سوى شرط واحد وهو أن تخبرني عن سرّك عن سر الكتاب الذي ترى فيه العالم، والعصفور الذي يقودك على الدروب، والوردة التي تشفي من كل مرض.
[size=16]فوجئ وحيد بهذا الطلب، فحزن كثيراً وقال لها:
[size=16]-أنا على استعداد لتلبية أي طلب لك إلا هذا الطلب. هذا سر في حياتي لا يمكن لي أن أبوح به لأي مخلوق على وجه الأرض.
[size=16]-إذاً أنت لا تحبني! وأنا لا يمكن أن أعيش مع إنسان يخفي عني سرّاً كبيراً مثل هذا السرّ
[size=16]قال وحيد مستسلماً
[size=16]-نور! أرجو أن تتركيني أفكر حتى الصباح ولم ينم وحيد، بقي يفكر، ويفكر، وقال في نفسه:
[size=16]نور أصبحت جزءاً مني، وأنا أصبحت جزءاً منها، وهي أخت نارة في الأرض كما أخبرتني. وإذا بحت لها بالسر، فلن أرتكب ذنباً. ولا شك أن نارة ستسامحني إذا عرفت.
[size=16]وفي الصباح، قابل وحيدنوراً وباح لها بكل شيء!
[size=16]وعاد سريعاً إلى غرفته وترك نوراً وحدها في الحديقة. وفوجئ بالعصفور ميّتاً في قفصه، وبالزهرة قد ذبلت، وبالكتاب قد اختفى.
[size=16]وفجأة انشق الجدار. ظهر شبح أسود، له شعر طويل منفوش وعينان تقدحان الشرر، ويدان نحيفتان عليهما شعر كالإبر، تنتهيان بأظافر حادة كالشفرات.
[size=16]جمدّ الرعب وحيداً في مكانه، ولم يعد قادراً على الكلام، وعرف أن هذا هو شكل نارة حين تغضب. وانطلقت من الشبح ضحكة مجلجلة ساخرة:
[size=16]-أيها الخائن! لم تسمع نصيحتي، وبُحت بالسرّ الذي بيننا. سأحولك إلى حصان إلى الأبد ولن تعود إلى شكلك الأول .
[size=16]حاول وحيد الكلام، فصدرت عنه كلمات متفرقة: -نارة! نارة! أرجوك.. لقد أخطأت.
[size=16]كنت أظن.. كنت أظن أن..
[size=16]فقاطعته صارخة:
[size=16]-كنت تظن أني لا أغضب من نور لأنها أختي على الأرض، أليس كذلك؟ لقد أخطأت يا وحيد! هي أختي ولكن لا لقاء بيني وبينها.
[size=16]واقتربت نارة من وحيد، ونفخت عليه نفخة قويّة فإذا به يتحوّل إلى حصان أسود. واختفت في الجدار.
[size=16]ولمّا تأخر وحيد، لحقت نور به، ففوجئت بالحصان الأسود. وبحثت عن وحيد، فلم تجده. عندها أدركت أن الحصان الأسود هو وحيد، لأنه باح لها بالسر. فأخذت تبكي،وهي تمرّر يدها، بحنان، على رأس الحصان ووجهه وتقول:
[size=16]-سامحني يا وحيد! سامحني!
[size=16]وندمت على إلحاحها، ولكن ماذا ينفع الندم الآن؟ وتذكرت نور العبارة التي كان يقولها وحيد لنارة لتحضر إليه. وفكرّت في دعوتها، لترجوها أن تحولها هي إلى فرس سوداء، وتعفو عن وحيد. فصارت تقول هامسة:
[size=16]-نارة..! يانارة! أنا نور.. احضري في الحال.
[size=16]وكرّرتها ثلاث مرات. وانتظرت طويلاً فلم تحضر. وأعادت النداء مرّات ومرّات بلا جدوى
[size=16]ولم تدر نور ماذا تفعل لتعيد وحيداً إلى شكله الأول أخذت تفكّر وتفكّر وذهبت إلى أهل وحيد وأخبرتهم بأن وحيداً ذهب في رحلة قد تطول، ليشفي بعض المرضى، وأنه كان على عجل من أمره، فلم يخبرهم.
[size=16]وعادت نور إلى غرفة وحيد، وجلست تبكي، وتفكر. وحين أقبل الليل، ركبت الحصان الأسود، وخرجت من القصر من غير أن يراها أحد. وبقيت تمشي وتمشي حتى وصلت إلى مفترق طرق ثلاثة عنده كوخ خشبيّ، وعلى بابه شيخ طاعن في السن، قد طالت لحيته، وطالت أظافره، حتى لامست الأرض، قالت له بشجاعة وقوة :
[size=16]-السلام عليك يا سيدنا الشيخ!
[size=16]فرد الشيخ عليها:
[size=16]لولا سلامك سبق كلامك لغاصت فيك أظافري حتى عظامك!
[size=16]ونزلت عن الحصان. وأخرجت مقصّاً كان معها، فقصّت له لحيته وأظافره، وهيأت له طعامه، فأكل حتى شبع.
[size=16]وسرّ من فعلها وقال لها
[size=16]-ماذا تطلبين يا بنيّتي؟
[size=16]قالت وهي تشير إلى الحصان الأسود:
[size=16]-هذا وحيد.. أريد أن يعود إلى شكله الأول.
[size=16]قال لها الشيخ:
[size=16]-امشي في طريقك، على مسافة ليلتين من هنا، وعلى مفترق طرق ثلاثة، تجدين كوخ أخي، وهو أكبر مني بسنة وأعلم مني بدهر، فافعلي معه مثلما فعلت معي، وهو يدلّك ومشت نور ليلتين ووجدت عند مفترق طرق ثلاثة كوخاً يجلس أمامه شيخ آخر طاعن في السن، فسلّمت عليه مثلما سلّمت على أخيه، وفعلت له مثلما فعلت لأخيه، وذكرت له حاجتها فقال لها:
[size=16]-امشي في طريقك، على مسافة ليلتين من هنا، وعلى مفترق طرق ثلاثة، تجدين كوخ أخي. وهو أكبر مني بسنة، وأعلم مني بدهر، فافعلي معه مثلما فعلت معي، وهو يدلّك ومشت نور ليلتين. ووجدت عند مفترق طرق ثلاثة كوخاً يجلس أمامه شيخ آخر طاعن في السن، فسلّمت عليه مثلما سلمت على أخويه، وفعلت له مثلما فعلت لأخويه وذكرت له حاجتها، فقال لها:
[size=16]-امشي في طريقك، على مسافة ليلتين من هنا، تجدين النهر المقدس، عليك عبوره سبع مرات على ظهر الحصان، ولا تخافي من أمواجه العالية، عند ذاك سيعود وحيد إلى شكله الأول.
[size=16]ومشت نور ليلتين، وظهر لها النهر المقدس العريض، يلمع تحت الشمس، فاستبشرت خيراً. وعبرت النهر بالحصان، وما أن بلغت منتصفه حتى ارتفعت الأمواج من حولها، وكادت تجرفها هي والحصان، ولكنها تماسكت وتشجعت وهتفت بالحصان:
[size=16]-هيّا.. هيّا.. يا وحيد! إلى الأمام يا وحيد حتى بلغت الضفة الأخرى. وعادت لعبوره ثانية وارتفعت الأمواج من حولها أكثر. وشعرت بالخوف، لكنها تابعت طريقها حتى بلغت الضفة. وهكذا حتى عبرت النهر سبع مرات كما قال لها الشيخ -عند ذلك انتفض الحصان الأسود وظهر وحيد مكانه، فعانق نوراً وشكرها على شجاعتها وتضحيتها وحبها له، فقالت له:
[size=16]-أنا مدينة لك بحياتي، فأنت الذي أنقذني من موت محقق.
[size=16]وفجأة ظهرت نارة أمامهما في أجمل صورة، وهي تبتسم لهما وقالت:
[size=16]-لقد نجحت يا نور في إنقاذ وحيد، كما أنقذ حياتك، وبرهنت، بشجاعتك وحبّك، على أنك جديرة بأن تكوني زوجة له.
[size=16]والتفتت إلى وحيد، وقالت له:
[size=16]-عفوت عنك يا وحيد، حبك لنور هو الذي جعلك تبوح بالسر. أنت لم تعد في حاجة إليّ، سأتركك مع نور وأنا مطمئنة عليكما. أعيد إليك الكتاب العجيب هديّة مني إليكما بمناسبة زواجكما، لتريا فيه العالم وأنتما في بيتكما، أتمنى لكما حظاً طيّباً.
[size=16]واختفت نارة فجأة كما ظهرت، وظهر على القرب من وحيد ونور حصان أبيض، يحملهما سريعاً إلى القصر، قبل أن يشتد قلق الأهل عليهما، وليحضّرا طقوس الأفراح التي ينتظرها الجميع بفارغ الصبر.
[size=16]وطار الطير الله يمسّيكم بالخير.
]